{ عَفواً فَأنَا لَسْتُ ملاَكاً..!! ~
لإزالة كل الأعلانات،
سجل الآن في منتديات أنيدرا
السلامـ عليكمـ و رحمة
الله و بركاتهـ
هذهـ آخر قصة قمتـ بكتابتهاآ
أتمنى أن تستمتعو بقراءتهاآ
...
عَفواً فَأنَا لَسْتُ ملاَكاَ
كم أحسد تلك الملائكة التي لا تنسى أبداً ...
كم أحسد أولئك الأطفال الذين ينسون بعض الأمور بعفوية ...
كم أحسد أولئك البشر الذين يتمتعون بذاكرة قوية ...
- و أخيراًّ أتيتِ ! حسبتُ أنكِ نسيتِ موعدنا ! أردفتـ [ هند ] قائِلة.
- لا أبداً، لن أنسى أول نزهة مع أعز صديقة مهما حييت. قلت بجدية.
صدى ضحكاتنا ارتطمت بجدران المباني القريبة، ليعود إلينا، يا له من نغمٍ جميل!
كنا فِي نزهةٍ أنا و صديقتِي [ هند ] ، و هِي أول فتاةٍ تعرفت عليها عند التحاقِي بالثانوية، و بسرعة تكونت صداقة متينة بيننا.
قالت لي و الاستغراب بادٍ على وجهها : ما الذي تحملينه معكِ ؟
أجبتُ متداركةً الأمر : أه، الحلوى التِي صنعتها...
ردت علي : سآخذ واحدة لأتذوقها.
أخذت قطعة و أكلتها بشهية ، لم يخب ظني فلقد نالت إعجابها فعلاً.
قالت لِي بحماس : فقط لو كنت أعرف مكوناتها، لصنعتها كل يوم !!
أجبتها و ابتسامة عريضة على وجهِي : لا تقلقي سأخبركِ، تتكون من... من... أمممـ....
للحظة شعرتُ أنني لا أعرف أي شيء عن هذه الحلوى، كيف يُعقل و أنا التِي صنعتها بنفسِي !!
قالت لي و هي تهدئني : لا بأس ، يمكنكِ كتابة لي المكونات في أي وقت، فالإنسان ينسى بسرعة الأشياء الغير المهمة و حتى الأشياء المهمة.
ربما هي محقة، إنه مجرد نسيان طبيعي. تحدثنا كثيراً في كل شيء و لا شيء.
شارفت الشمس على الغروب، و رياح هادئة تعزف مع أوراق الأشجار موسيقى طبيعية، ما الذي يتمناه البشر أكثر من هذا الجو الطبيعي الهادئ !!
ودعت صديقتِي [ هند ] على أمل اللقاء بها في المدرسة لأحضر لها مقادير الحلوى. كالعادة آخر ما
أراه فيها هي تلك الابتسامة المشرقة التي تعلو قسمات وجهها، لا عجب في ذلك فهي دائماً متفائلة، و دائماً ما أقلدها.
عدت إلى المنزل أنا أيضاً، وجدت أمي تحضر العشاء، و أختي التي تصغرنِي بسنة، تحل واجبها المدرسي ، دائماً ما تريد التقدم علي، و غالباً ما ينتهِي حديثنا إلى جدالٍ حقيقي.
أخبرتُ أمي بكل شيء حدث فِي النزهة
و قالت لِي بحنان : لا بأس فصديقتكِ محقة. النسيان هو أمر طبيعي عند البشر، لكنـ الإفراط فيهِ سيؤدي إلى المرض.
و قلت لها مستهزئة من نفسي : أنا غبية مجرد أمرٍ طبيعي أحدثت منه فوضى !
تدخلت أختي في الحديث بصوتها الحاد : و أخيراً اعترفتِ أنكِ غبية !
قلت لها و الغضب يعتري أطراف جسدي : ليس ذلك إنه ...
تدخلت أمي لتهدئة الوضع بقول أنها ستطهِي السمك المشوي، إنها أكلتنا المفضلة خاصة أنها من صُنعِ أمي
بعد العشاء ذهبت إلى غرفتي لأكتب بعض القصائد لآخذها غداً و أرسلها إلى المجلة التي تتكلف بنشرها، فكتابة القصائد هي هوايتي التي أرتاح فيها،
لكن أمنيتي في المستقبل هِي أن أكون طباخة ماهرة مثل أمي . فالقصيدة كما قلت هي مجرد هواية.
في صباح اليوم التالي، ذهبت إلى المكتبة حاملةً معي القصائد التي كتبتها، فهي التي تقوم بإرسال إبداعات الشباب إلى تلك المجلة،
أنا أحبها كثيراً خصوصاً أن صاحبها يتعاطف مع الصغار و يساعد الكبار.
فِي طريق العودة، كان الجو بارداً و كأن السماء ستُمطِر، صدُق حدسي، فما هي إلا ثواني معدودة
و بدأت قطرات المطر تتساقط.
قلت فِي نفسي : يجب علي الإسراع قبل أن تُمطر بغزارة !
انتابني شعور غريب، فكأن هذه أول مرة أذهب من هذه الطريق، هل سهوت وذهبت في طريقٍ خاطئ؟
لا... لا، أنا متأكدة بأنني أذهب من هذا الطريق، لكن كيف نسيت طريق العودة؟!
سمعتُ صوتاً يناديني من الخلف : [ رؤى ]...[ رؤى ]...
أعرف هذا الصوت، إنها [ هند ] ! لم أكن لأصدق أنني سألتقيها هنا، و كأنها أدركت بأنني فِي مشكلة!
قاطعت سلسلة أفكاري ثم أردفت قائلة و هي تلهث بسبب المسافة التي جرتها : لقد زرت عمتي التي تقطن هنا ، لم أدري أنني سألتقي بكِ، أنا حقاً سعيدة برؤيتكِ !
قلتُ لها بحماس : و أنا الأكثر سعادة ، أريدكِ أن تساعديني فِي إيجادِ...
مهلاً ! ماذا ستكون ردة فعلها إذا قلت لها "أتعرفين طريق العودة؟"، ما الذي سأفعله يا إلهِي لا أستطيع سؤالها هكذا...
قالت لِي و الحيرة تملأ وجهها الذي يلمع مع أشعة الشمس الخافتة : ما بكِ ؟ لماذا كل هذا التردد؟ اطلبي ما تشائين.
دفعني سخاؤها لطرح ذلك السؤال : أتـ....أتعرفين....طريق العودة... إلى منزلِي ؟
لم تفلح فِي إخفاء ذلكـ الوجه المندهش، و كانت تحدق بِي بطريقة غريبة و تقول : آه، أعلم أنها من ألاعِيبكِ المغرية، تريدين أن أذهب إلى المنزل! و أبيت معكِ
أجبت باندفاع : لا، على الإطلاق، و ستتأكدين من ذلك عندما نصل، صدقيني أرجوكِ!
ردت علي : حسناً، لا تتوسلي هكذا ، كمن فقد شيئاً عزيزاً عليه و يريد إعادته.
وصلنا إلى المنزل و كما قلت لـِ[ هند ] لم أرغمها على البقاء، فاستغرابي لعدم معرفتي لطريق العودة كان كافياً لأتجاهل... أو بعبارة أخرى،... أن أنساها ،
و هي الأخرى غادرت بدون قول أي شيء، لربما هي أيضاً مستغربة لما حصل...
أخبرتُ أمي كل شيء حدث و أضفت : أمي... لماذا أنسى كثيراً في هذه الآونة الأخيرة؟ ...
استغربتـ أمي بهذا السؤال المفاجئ، فأكملت و الدموع ملؤ عيْنيْ : أمي... قلتِ لي مسبقاً إذا كثر النسيان سيصبح مرضاً، هل... أنا فعلاً مريضة؟
قالت لي أمي محاولةً التخفيف عني بنظرات الشفقة : لا تفكري بالمستقبل بهذا الشكل، تفاءلِي ربما هو مجرد نسيان مثل باقي الناس الذين ينسون لا تقلقي.
قلت لها بتخوف : هل سنذهب إلى المستشفى ؟
أجابتني بكل ثقة : الأمر لا يستدعي ذلك، فكما أخبرتكِ إنه نسيان طبيعي.
على الرغم من كلامها هذا، فقد لمحت في نظراتها تخوفات و قلق كبير، لكنني لا أريد سؤالها عن هذا الأمر، لأنني إذا فعلت ذلك فسأزيد الطين بلةً فقط.
ذهبت لغرفتي ، بينما أمي خرجت إلى مكان ما ، متأكدة أنها قصدت المستشفى للسؤال عن حالتِي، لا أجد حجةً لسؤالها عندما تأتي " أين ذهبتِ؟"
فأنا أعرف مسبقاً ما الذي يسري في داخلِي و ماذا أشعر، فلا داعِي لسؤال الأطباء !
أخذت مفكرة لأكتب فيها كل شيء أتذكره صغيراً كان أو كبيراً : كل تلك الذكريات الجميلة التي مازالت راسخةً في ذاكرتي
فلا أعتقد أنه بإمكاني في يومٍ ما في المستقبل القريب تذكرها... و كل تلك الأخطاء التي أريد نسيانها، فأنا الآن بحاجةٍ ماسةٍ لتذكرها.
هذه المفكرة ستكون ذاكرتي الثانية، فالأولى بدأ عهدا في التدهور، لكن ماذا سيحصل إذا نسيتها هي الأخرى؟ لا بأس سأضعها فوق مكتبي حتى أتمكن من رؤيتها في كل لحظة أدخل فيها إلى غرفتِي. أتمنى كلما قرأت هذه المفكرة أن أتذكر كل شيء خطته يدي.
لم يبقى على الإمتحانات سوى يومان، يجب علي مراجعة كل شيء لكي لا أنساه...
غداً الامتحاناتـ و كالعادة لا أتذكر من الدروس أي شيء، ربما النتيجة واضحة بالنسبة لِي.
فِي بعض الأحيان أتمنى أن أكون مثل الإنسان الآلي على الأقل يتذكر أي شيء حتى تلك التفاصيل الصغيرة،
و الأهم من ذلك أن الناس ينتفعون بهِ، عكسِي تماماً، أبقى طوال النهار فِي غرفتِي
لا أساعد أمي فِي الأعمال المنزلية، حتى دراستِي سأرسب فِيها، و كل آمالِي ستندثر مثل السراب الذي نعتقد أنه حقيقي فهو مجرد وهم لا وجود له فِي الواقع
التفكير فِي هذه الأمور يصيبنِي بِإحباط مدمر، لكن سأكتفِي بقول " علي أن أتفاءل بالغد" ... المُضحك فِي الأمر أنني كلما تفاءلت تزيد حاتِي سوءاً،
ترى إلى متى سأكرر هذه الجملة التي لم تنفعنِي فِي أي شيء؟ فأنا أخدع نفسِي فقط ، ففي أعماقِي لستُ سوى فتاة تريد أية طريقة للهرب من المستقبل،
أصبح الصباح... نسيت كل شيء.... لا رغبة لي في خوض إمتحانات أعرف نتيجتها مسبقا، لم يكن ذلك بالأمر الغريب، حتى أمي لم تُعلق على هذا الموقف.
الصمت و الهدوء يعمان المكان، و أختي الصغيرة ذهبت باكرا للبحث عن مستقبلها، و أتمنى حقاً أن تجده و تسْعد بِه !
ذهبتُ كالتائهة إلى غرفتِي لأدون كل ما حصل لِي حتى لا أنساه...
مر تقريباً شهران على تلك الامتحانات، و خلالهما سافرت أختي للعاصمة لتكمل دراستها و تبني مستقبلها، هذا جيد بالنسبة لها، فأنا فقط مصدر إزعاجها
كل مرة أسألها ما هذا و ما تلك ، و بسبب هذه الأسئلة المتكررة أيضاً لم أعد أدرس، فتذكر الواجبات المنزلية، و الدروس كثيرة علي، حتى أنني أبدأ بضرب رأسي الفارغ
من كثرة محاولاتي للتذكر، و ربما جرحت نفسي ...
قلت فِي نفسي : ترى هل من كنت أعرفهم في المدرسة مازالوا يتذكرونني؟
قطع صوت أمي سلسلة آلامي مناديةً : [ رؤى ]... تعاليْ سنلعب لعبة !
أخبرتني أمي بتفاصيل اللعبة، حقاً إن أمي لا تجيد الكذب، فمثل تلك الابتسامة فهي مزيفة : انظري إلى هذه البطاقات، الأولى تحتوي على مثلثان،
و الثانية مربع، أما الثالثة فتحتوي على خمس دوائر، الآن سأقلبها و ستخبرينني ما هي البطاقة التي تحتوي على مثلثان؟
أستغرب من هذه اللعبة، فهي كألعاب الأطفال، لكن لا بأس بها تبدو ممتعة.
قلت بتردد : أمممـ... الثالثة.
تغيرت ملامح أمي من ابتسامة إلى أسى، لكن سرعان ما استرجعت ملامحها السابقة.
ردت علي : لا يا ابنتي، انها البطاقة الأولى.
قلت باستغراب : لم أتوقع ذلك، ... لقد نسيت.
قالت أمي محاولةً تدارك الأمر : لنعدها مرةً أخرى!
طوال المساء و نحن نلعب تلك اللعبة، ربما مرة أو مرتان أصبت فيها، لكن أغلب الأحيان أفشل، لقد بدأت حالتِي فعلاً بالتدهور.
يتبعـ
الموضوع الأصلي :
{ عَفواً فَأنَا لَسْتُ ملاَكاً..!! ~ || الكاتب :
Miss News || المصدر :
منتديات أنيدرا