انطلقت السيارة على الطريق بسرعة ، و داخلها استقر أصدقائنا الأربعة (يوسف ، رزان ، هاني و هدى) و قد انشغل كل منهم بعمل ما ، فلقد أخذ (هاني) جانبًا ليقرأ جريدة الصباح ، و انشغلت (رزان) بمتابعة الطريق عبر النافذة بينما أسبل (يوسف) جفنيه بجانب والدته التي تقود السيارة و قد استراحت (جنى) على كتفيه و انهمكت (هدى) في حياكة صوفها و هي تلقي نظرة عصبية كل دقيقة على الساعة ، و بينما تفعل ذلك لاحظتها (رزان) فضحكت والتفتت إليها قائلة:
- لا تقلقي يا (هدى) سنصل قبل ساعة الظهيرة !
أومأت والدة (يوسف) برأسها و قالت :
- إن الطريق من القاهرة إلى الإسماعيلية يستغرق ساعتين ، و لقد انطلقنا مبكرين كما أن سرعتنا مناسبة ، اطمئني يا (هدى) سنصل في الوقت المحدد .
تحركت (هدى) بعصبية في مكانها و غمغمت :
- و كيف نتأكد من ذلك ؟ نحن حتى لا نعرف أين تقع فيلا 10 في الإسماعيلية !
التفتت (رزان) إلى (يوسف) و سألته قائلة :
- أيمتلك عمك فيلا تقع تحت اسم رقم عشرة ؟!
ظل (يوسف) مسبل الجفنين و أجاب ببطء:
- كلا ، لكننا سنجدها حينما نصل إلى الإسماعيلية !
- كيف ؟
- لا أعرف
- أتمزح معي يا (يوسف)؟!
- كلا ، و لكنني لا أعرف حقًا يا (رزان) !
- كيف يمكنك البقاء هادئًا هكذا و نحن لا نعرف أي شيء عن وجهتنا !
- بل نعرف ، نحن نتجه إلى مدينة الإسماعيلية و هناك سنعرف طريقنا
- كيف؟ هل يمكنك أن تفتح عينيك و تتحدث معي مثل بقية البشر ؟
فتح (يوسف) عينيه ببطء و نظر في عينيّ (رزان) و قال بهدوء مستفز :
- أنا أعرف كيف أتحدث مع البشر جيدًا يا (رزان) ، ثم انكِ عصبية جدًا اليوم، هل يمكنكِ أن تهدأي قليلاً !؟
صمتت (رزان) على مضض و هي تعلم أن الحديث معه لن يجدي نفعًا و لكن فضولها الأنثوي رفض الاستكانة و الخضوع فأخذت ترمق (يوسف) بنظرات غاضبة و فضولية أحيانًا ، فرفعت (جنى) عينيها إليها قائلة :
- اهدأي يا (رزان) ، إن ما يقصده أخي إننا سنجد فيلا 10 قريبة من المياه و هي في نفس الوقت ليست أرض رملية !
رفعت (رزان) حاجبيها في دهشة ، و لكنها ظلت صامتة تدرس الأمر في عقلها بينما انزوى (هاني) قائلاً:
- و كيف نتأكد أن صاحب الرسالة هو العم نفسه و ليس أي شخص من العائلة يريد الحصول على الثروة ؟
ابتسمت والدة (يوسف) و أجابت :
- أنا من سيجيبك على هذا السؤال يا (هاني) ، أولاً لأن الخط هو خط العم أسامة و هو معروف بخطه السلس و كتابته حرف السين في اسمه بالإنجليزية كما إنها طريقته في كتابة الخطابات و أيضًا لو كان أي شخص في عائلة زوجي فهو لن يكتب ما يذم في نفسه و في العائلة و ثانيًا لأن العم كان كتومًا جدًا ماعدا مع ابن أخيه (يوسف) فقد كان يكتب له كل ما يحدث معه و خاصة مع عم (سمعان) الذي كان يرتبط العم معه بصداقة قوية و ليست مجرد علاقة سيد بخادمه و معنى أن العم (سمعان) تمرد على العم فهذا سبب كافٍ ليكتب لـ(يوسف) شاكيًا له ، لأن كل العائلة لا تعرف شيئًا عما يدور بين العم و (سمعان) كما إنهم يكرهونه جدًا لأنه الأقرب للعم أسامة ، أتأكدت الآن يا (هاني) من أن المرسل هو عم أسامة ؟!
ابتسم (هاني) بخجل و غمغم قائلاً:
- أجل ، آسف لأنني سألت مثل هذا السؤال المشكك ، ما كان يجب عليَ أن أشكك في صحة كلامكِ يا سيدتي !
ضحكت والدة (يوسف) و أجابت :
- لا تعتذر يا بني ، فكان يجب على أحد ما أن يسأل هذا السؤال لحظة ما !
و هنا دس (يوسف) يده في جيبه و أخرج بعض النقود و فتح نافذة السيارة و ناول رجل البوابة المال ، ثم التفت إلى أصدقائه و قال مبتسمًا:
- مرحبًا بكم في مدينة الإسماعيلية ، مدينة من المدن الباسلة في تاريخ مصر الحديث !
ابتسم الجميع في فخر و دارت عيونهم في أرجاء المدينة و قد شعروا بارتياح كبير لوصولهم إليها قبل موعد الظهيرة ، ثم دارت والدة (يوسف) بالسيارة و توجهت نحو طريق فرعي في المدينة ، انتشرت على جانبيه أشجار وارفة عالية و قد غطت الأرض بأوراقها ، و تخللتها أشعة الشمس الصافية و قد شعرت الطيور بالسعادة فأخذت تغرد سعيدة ، و هتفت (جنى) بسعادة :
- و كأنني في أوروبا ! هذه المنطقة جميلة جدًا يا أخي !
ابتسم (يوسف) و داعب شعر أخته و أخذ يحدثها قائلاً:
- إنها مدينة جميلة هادئة يا (جنى) و لقد اختارها عمي لأنه يحب الهدوء و الجمال و نحن الآن على وشك الوصول إلى فيلته الأولى التي كان يقيم فيها ، و ستقابلين بقية العائلة فقد عرفنا انهم هنا اليوم .
عقدت (جنى) حاجبيها و قالت بضيق :
- هل يجب علينا أن نقابلهم ؟
ابتسمت والدة (يوسف) ابتسامة باهتة و أجابتها قائلة :
- إنها تقاليد العائلات النبيلة يا عزيزتي !
ظلت (جنى) عاقدة حاجبيها و استندت بيدها على باب السيارة و أخذت تتأمل المنظر و هي تتمتم:
- تبًا ! لقد أفسدوا عليّ هذا المنظر المبهج !
ابتسم (يوسف) قائلاً:
- عليك ألا تجعليهم يعكرون مزاجكِ قبل أن تصلي إليهم !
مالت (رزان) على أذن (يوسف) و سألته قائلة :
- ما مشكلة العائلة هنا ؟!
- إنهم يكرهوننا يا (رزان) و ستقابلين هناك ثلاثة أعمام أخرى ممن يمتلكون شراهة و حب كبير للمال ، و سيحاولون استفزازكم لذا حاولوا البقاء هادئين !
- و لماذا توجه هذا الكلام لي وحدي ؟
- لأن (هاني) و (هدى) يعرفان ذلك منذ وقت طويل ، و أنتِ الوحيدة الجديدة هنا .
- هكذا إذن ، حسنًا ، أعدك بأن أتمالك نفسي و لكن حاول أن تدافع عني لو أخطأت
ابتسم (يوسف) قائلاً :
- بالطبع ، سأفعل !
و هنا على صوت والدة (يوسف) و قد شابه ضيق خفيف قائلاً:
- ها قد وصلنا !
كان قصرًا كبيرًا أبيض اللون و قد أخذت حديقته مساحته مرتين تقريبًا و قد انتشرت فيها أشجار المانجو و الزهور و بدا كأنه جنة مصغرة من جمال المنظر و الرائحة الطيبة و قد على الانبهار و الإعجاب (رزان) التي هتفت بسعادة بعد أن عبروا البوابة الواسعة التي غطتها النباتات المتسلقة أيضًا :
- يا إلهي يا (يوسف) ! لديك مثل هذا المكان الجميل و مازلت تعيش في القاهرة المزدحمة!
ابتسم (يوسف) و لم يعلق ، و سمعوا جميعًا صوت كلب ينبح بقوة و شخص يصرخ بجانبه ، و حين اقتربوا منه ، وجدوا شابًا طويل يرتدي حلة زرقاء و قد أخذ يدرب الكلب على بعض الحركات الجديدة و هنا اختبأت (رزان) خلف (يوسف) و قالت :
- أكره الكلاب ، فلنغادر هذه المنطقة بسرعة !
ابتسم (يوسف) و أجابها (هاني) :
- عليكِ أن تعقدي معه صداقة بسرعة فربما احتجناه معنا في رحلة بحثنا عن الميراث المدفون !
صاحت (رزان) برعب بينما ضحك الجميع و تمتمت (هدى):
- ألا يكفي أننا استيقظنا باكرًا لنسافر يوم إجازتنا و أيضًا تريدون أن نعقد صداقة مع كلب متوحش !
علق (يوسف):
- إنه كلب حراسة و ليس متوحشًا !
قالت (رزان):
- إنه يبدو لي كذئب شرس !
ضحك الجميع و اتجهوا نحو باب القصر ، و دلفوا إليه مرة واحدة و قد حاولت والدة (يوسف) رسم ابتسامة ودودة على وجهها و هي تقول :
- صباح الخير جميعكم ، كيف الحال ؟!
و هنا تكلمت سيدة بدينة قائلة بسخرية :
- مرحبًا يا زوجة أخي أمير ، كيف حال أسنان مرضاكِ؟! أمازلتِ تمارسين مهنة الطب أم أنكِ أبدلتي حياتكِ العملية بابنيك العزيزين ؟!
و هنا تكلم رجل عجوز يرتدي منظارًا طبيًا قائلاً:
- كفى يا (هيام) ! ألا ترين أن عزيزتنا (ندى) قد قررت زيارة أقارب زوجها أخيرًا ؟! ربما علينا أن نرحب بها أكثر !
و هنا ظهر خادم من خلف أصدقائنا و دفع والدة (يوسف) أمامه فوقعت على الأرض ، فصاح (يوسف) و أسرع يساعد والدته حين أوقفته جملة عمته (هيام) الساخرة :
- ماذا يا ابن أخي ؟ هل علمتك أمك أن تُسرع لنجدتها حينما تقع على الأرض؟ نحن فقط نحاول اختبار حبها لوالدك ، هل ستتحمل من أجله كل ما يجري لها ؟!
و هنا صرخت والدة (يوسف):
- سأتحمل .. سأتحمل أي شيء يا (هيام) ، لن أترك (أمير) و أبنائه لقمة سائغة لكم أبدًا .
مط الرجل العجوز شفتيه و قال :
- كفى ! خذها يا (سمعان) إلى غرفتها ، أسرع !
نفذ الخادم الأمر و جذب (ندى) من يدها و أسرع يلقيها في غرفة بالطابق العلوي و نظرات الغضب تتبعه من أصدقائنا الأربعة ، و بعدما دخلت والدة (يوسف) غرفتها ، صاح هو قائلاً:
- ما هذا الهراء الذي يحدث هنا ؟! لماذا تأخذون والدتي رهينة ؟! ماذا فعلت لكم ؟
صاحت (جنى):
- لو علم أبي بما يحدث هنا ، لجاء من فوره !
و هنا ابتسمت سيدة في الثلاثينات من عمرها بسخرية و قالت :
- و لماذا لا يأتي ؟! إننا لم نرى أخانا العزيز منذ وفاة أخيه العزيز (أسامة) ، و لقد اشتقنا له كثيرًا لدرجة إننا نريد الاحتفاظ بامرأته لدينا لبعض الوقت !
و هنا انزوت سيدة عجوز ترتدي اللون الأسود و قالت :
- لماذا جئت إلى هنا يا (يوسف)؟!
لم تسطع (رزان) أن تحكم نفسها أكثر من ذلك ، فصاحت فيها قائلة :
- و من أنتِ أيضًا ؟!
نظرت إليها السيدة باستهجان و أجابت في علو و شموخ :
- أنا زوجة (أسامة) –رحمه الله- . و من أنتِ يا صغيرة !؟
فتحت (رزان) فمها لتجيب ، و لكن (يوسف) كان أسرع و أجابها قائلاً:
- إنهم أصدقائي ، رزان و هاني و هدى .
- و لماذا جاءوا معك ؟!
- إنها حرية شخصية !
- حرية شخصية ، ها؟! و منذ متى تٌحضر عائلتنا غرباء إلى هنا ؟!
رفع (يوسف) حاجبيه و أجابت (جنى) بهدوء :
- منذ أن مات جدي و ظهرتم جميعًا على حقيقتكم ، و الآن هل تسمحون لنا بأخذ والدتنا و الانصراف ؟
صاحت (هيام):
- إلى أين يا صغيرة ؟!
لم تلتفت إليها (جنى) بل أصدرت أمرها للخادم بإحضار والدتها و غادروا جميعهم القصر بهدوء تاركين خلفهم عقارب سامة تنتظر الفرصة لتفرز سمها فيهم !