رجعت لكم من جديد بقصة عجبتني في كتابي للمطالعة والنصوص وحبيت اشاركها معاكم
بلا ثرثرة بابدا على طول
اكشن
______________________
الشفق يؤذن باقتراب الليل , وندف كبيرة من الثلج تتساقط حول المصابيح الطريق , وقد اضاءت لتوها وتكسو السطوح والقبعات وظهور الخيل واكتاف الرجال بطبقة ناعمة رقيقة , والحوذي (( إيونا بوقاف )) , قد لفه الثلج , فتجمد في مكانه من العربة , ابيض كالشبح , وانكمش كأقصى ما يستطيع الجسم الانساني ان ينكمش , لا يفكر في ازاحة الثلج عن جسده , حتى لو تساقط عليه منه تيار منتظم ,وحصانه كذلك : ابيض وساكن , يبدو في سكونه , وحدة خطوط جسمه ,وقوائمه الرفيعة المشدودة تشبه العصا في استقامتها اشبه بلعبة الاطفال .
واغلب الظن انه كان يتأمل ما حوله , وقد انتزع من الحرث , والقى به وسط هذا الاعصار من الانوار المخيفة , والضجيج المتواصل , وناس يتدافعون .
مضى وقت طويل من دون ان يتحرك ,خرجا الى الشارع في وقت العشاء , ولكنه لم يربح شيئا , ولم يدعه احد من الزبائن , لم يجئ احد بعد , بينما ظلام الليل يلف المدينه, ويتوهج ضوء المصابيح , وتشتد حركة الشارع . وفجأة سمع إيونا من يناديه :
_حوذي ... أوصلني الى فيبر جسكايا .
انتبه إيونا , ورأى من خلال عينين غطتهما ندف الثلج ضابطا يرتدي معطفا عسكريا واقيا من المطر .
واعاد الضابط قوله :
_ الى فيبر جسكايا ... هل انت نائم ؟ ... الى فيبر جسكايا . شد إيونا الشكيمة موافقا , فتطاير الثلج من على ظهر الحصان وكتفه , واخذ الضابط مكانه من العربة , بينما اخذ الحوذي يعض لسانه , ويمد عنقه , كما لو كان اوزة , وارتج قليلا في مقعده , وراح يلوح بسوطه , عادةلا ضرورة , فاشتد الحصان , ومد عنقه وبدأت سيقانه الخشبية تتلوى . ومن بين كتل الظلام تتراقص امام عينيه , سمع صوتا يصيح به :
_ الى اين تتجه ؟... الى اين انت ذاهب بحق الشيطان ؟...الى اين تدفعك العفاريت ؟... الزم يمينك يا رجل .
وغضب الضابط :
_ انت لا تعرف القيادة ... الزم يمينك !
ويلعنه سائق عربة اخرى ,وينظر اليه احد المشاة بغضب ,ويزيح الثلج عن كمه , وقد اصطدم ذراعه براس الحصان وهو يعبر الطريق ,وبدا إيونا في مقعد السائق كما لو كان يجلس على حصيرة من الشوك , يرفع كتفه , ويدير عينيه في نظرات بلهاء ,كما لو كان غائبا عن الوعي , لا يعرف اين هو , ولماذا وجد في هذا المكان .
وقال الضابط متكهما : اي اناس اشرارهم , انهم يتعمدون بوسعهم ان يصطدموا بعربتك , او يقعوا تحت حوافر حصانك , يفعلون ذلك عمدا كما لو كانوا على اتفاق .
ونظر إيونا الى الراكب , وحرك شفتيه , كان من الواضح ان يقول شيئا ولكن همهمة غامضة هي التي كانت تخرج من فيه فحسب .
وسأله الضابط : ماذا تقول ؟
والتوى فم إيونا بابتسامة كئيبة , وشد عنقه , وبجهد راح يقول في صوت خفيض :
_ ابني .... ابني مات هذا الاسبوع سيدي !
_ اوه .... مات بماذا ؟
واستدار إيونا بكل جسده الى الراكب , وقال : لا احد يدري ... من حمى على التأكيد , رقد ثلاثة ايام في المستشفى وهناك مات , انها ارادة الله .
وارتفع صوت في الظلام : ابتعد ايها الشيطان ... لم جعلت العينان ايها الكلب العجوز , الى اين انت متجه ؟ وقال الضابط :
_ اسرع ... اسرع , لاننا على هذا النحو لن نصل هناك الا صباح الغد .
عاد الحوذي يمد رقبته , ويرتج خفيفا في مقعده , ويقرقع سوطه بعنف , واستدار مرات وراءه ليرى الزبون , ولكن هذا اغمض عينيه , وبدا كانه لا يرغب في الاستماع اليه . وبعد ان وصل راكبه الى فيبر جسكايا توقف امام حان وانمش في مقعده من جديد , وتجمد ثانية , وبدا الثلج يتساقط على كتفيه وعلى الحصان , ومرت ساعة , وبعدها ساعة ,... ثم ظهر على الطوار ثلاثة شبان يتمايلون , يرسلون ضجيجا عاليا , باحذيتهم الثقيلة , ونقاشهم الحاد , اثنان منهم طوال القامة , والثالث قصير احدب , وصاح الاحدب الى كوبري البوليس ايها السائق , سندفع لك نحن الثلاثة عشرون كوبيكا .
وشد إيونا الشكيمة , وعض شفته , عشريت كوبيكا ليست اجرة طيبة ولكن سيان لديه روبيل او خمسة كوبيك ما دام هناك زبائن , واقترب الشبان من العربة وبين التدافع والشتائم وثبوا اليها وحاولوا ان يجلسوا جميعا في الوقت نفسه , ولك يكن المقعد يتسع لغير اثنين ,فبقي الاحدب واقفا , وقال :
_ هيا .. الهب ظهر الحصان . واندفع بقوة , اية عربة هذه التي لك يا صديقي , محال ان يوجد في بطرسبرج اسوأ منها . وضحك إيونا : ها ... ها ... من ليست عنده غيرها !
_ طيب ... اسرع , هل تريد ان نسير على هذا النحو كل الوقت ؟...
اذن تود ان اضربك على قفاك ! . قال واحد من الثلاثة :
_ ان الصداع يؤلمني .
رد الاخر بغضب :
_ لا ارى ضرورة للكذب .. انك تكذب بطريقة مخجلة !
_ فليعاقبني الله اذا لم يكن ذلك صحيحا .
_ اذا كانت القملة تعطس فما تقوله صحيح , وفتح إيونا فمه في شبه ابتسامة وقال :
_ ها ... ها ... اي مزاج رائق لدى السادة ! وصاح الاحدب في غضب :
_ معك الى جنهم .. الا تريد ان تسرع ايها العجوز القذر ؟ الهب ظهر حصانك ... اضربه بالسوط .. اضربه بقوة ..
كان إيونا يحس بهياج الاحدب خلف ظهره , ويسمع السياب الذي يوجهه اليه , ثم رأى الناس , واحس بالوحدة تبتعد عنه شيئا فشيئا , في حين واصل الاحدب شتائمه , وصمت عنه ليضحك على فكاهة القاها احد زملائه , واستمر يضحك حتى دهمه السعال , واخذ زميلاه الطويلان يتحدثان عن فتاة اسمها ناديا بتروفنا , وينظزر ايونا اليهم , وينتظر حتى تسود فترة الصمت , ويلتفت اليهم من جديد , ويقول :
_هذا الاسبوع ... في هذا الاسبوع مات ابني ! وقال الاحدب وهو يجفف شفتيه من السعال :_ كلنا سنموت ... طيب , طيب , اسرع ... لم اعد اتحمل انا واصدقائي هذا الزحف البطئ , متى سنصل ؟
_ شجعه ... اصفعه على قفاه ! اسمعت ايها العجوز القذر ؟ ساصفعك , ساجعلك نشيطا , لو احترم الانسان مثلك فخير له ان يمشي على قدميه , اتسمعني ؟ ام لا تهتم بمايقال لك !
وسمع إيونا , اكثر مما احس بصفعة قوية على قفاه , ويضحك : ها ... ها ... اي شبان مرحين انتم ليمنحكم الله الصحة .
ويساله احد الشابين الطويلين :
_ حوذي ... انت متزوج ؟
_ من ؟ ... انا ؟ ها ... ها ... اي مزاج رائق انتم عليه .. الارض الرطبة هي زوجتي الوحيدة الان ... ها ... ها ... لقد مات ابني , وما زلت انا بعده حيا ... يا للغرابة ! لقد خطفه الموت , اخذخ وتركني .
واستدار إيونا يخبرهم كيف مات ابنه , ولكن الاحدب تنهد , وتنفس الصعداء واعلن : اخيرا وصلنا الحمد الله .
وبعد ان قبض إيونا اجرته ظل يحدق طويلا في الشبان الثلاثة , وهم يختفون في ممر مظلم , وعاد من جديد وحيدا , من جديد لا يملك غير الصمت , داعب النو جفونه خلال لحظات قصيرة , ثم عاد يمزق قلبه على نحو اقسى , مما كان من قبل , وبعينين مقروحتين اخذ يتأمل الجماهير غادية ورائحة على جانبي الطريق الا يجد بين هذه الالوف من البشر يعيره سمعا , ولكن الناس يمرون حوله ولاشعرون بشقائه , شقاء عميق بلا نهاية , لو انفجر قلبه لاغرق الدنيا !
ويرى إيونا بوابا يحمل لفة , ويقترب منه شيئا , ويتهيا للحديث معه :
_ كم الساعة الان يا صديقي ؟
_ الساعة قاربت العاشرة ... لماذا توقفت هنا ؟ ... ابتعد عن هذا المكان .
ابتعد إيونا بضع خطوات ثم انكمش جسمه , واستسلم للشقاء , بدا له من العبث ان يتجه للناس , وقبل ان تقضي خمس دقائق اعتدل في جلسته وهز رقبته , كما لو كان يشعر بالم حاد , وشد الشكيمة وهمس في نفسه : الى الاسطبل ... الى الاسطبل .
وانطلق حصانه مسرعا كما لو كان يعرف افكاره , وبعد ساعة ونصف جلس إيونا الى جانب موقد قديم وقذر , وعلى الارض , وعلى المقاعد خشبية قديمة اناس يغطون في النوم , والهواء خانق , وملئ بالروائح العفنة , ونظر إيونا الى النائمين , وهرش في جلده , وتحسر لانه عاد الى البيت مبكرا .
قال إيونا لنفسه :
دعنا نخرج ونلقي نظرة على الحصان , وفي وقت متسع دائما للنوم , لا تخف ستنام بما فيه الكفاية .
ولبس إيونا معطفه وتوجه الى الاسطبل , حيث حصانه , سأل الحصان , وهو يتأمل عينيه اللامعتين : ماذا تعمل ؟ ... هل تأكل ؟ ... كل ... كل ... ان لم تربح ما يكفي لشراء القرطم فلتقنع بالدريس , نعم لقد اصبحت عجوزا على قيادة العربات .. كان ينبغي ان يكون ابني الوحيد هو الذي يقود لا انا .. كان قائدا بمعنى الكلمة ... كان يجب ان يعيش , وسكت إيونا برهة ,ثم تابع حديثه :
_ هذه هي الضية يا حصاني العزيز .. لقد ذهب ولدي , لم يعد هناك من يسمى (( كوزما ايونتش )), قال لي وداعا , ومات من دون سبب ما , والان تصور ان لك مهرة صغيرة , وانك والدها , فجاة ذهبت هذه المهرة وماتت , الا تتاسف لموتها ... اليس كذلك ؟
كان الحصان يعلك ويجتر وينخر فوق يدي سيده , واخذت الحمية إيونا , فبدا يحكي له القصة كاملة .
________________________
انتهيت واخيرا
القصة اخذت كتابتها مني ساعتين
بس ما عليه تستاهلون
بدي ردود + تقييم
اتمنى ان تعجبكم القصة للقاص الروسي : انطون تشيخوف *
مراحب يا شايني كيف حالك !!
ما شاء الله عليكِ , شكلك تعبتي وانتي تكتبي كل هالسطور
القصة جميلة , مع إنها شوية محزنة ~
فقدان إيونا لأبنه و شقاءه ورحلته المليئة بالمصاعب و طريقة معاملة الناس له ...وخصوصاً الاحدب حقدت عليه
وبالنهاية حزنني لما جلس يشكي همه للحصان
يعطيكِ العافية ياعسل , و تسلم يدك ~
لكِ تقييم + 5ستارز
وانتظر كل ما تبدعه يدك غاليتي