كان صباحًا هادئًا ، دافئًا حيث انتشرت أشعة الشمس في جميع الأنحاء و عكست الأرض لون أشعتها الذهبية في فناء تلك المدرسة ، و تسللت نسمة دافئة عبر نافذة إلى غرفة صغيرة ، كانت مكتبة المدرسة في يوم من الأيام ، و استقر على طاولة في وسطها ثلاثة أفراد ، فتاة و صبيان .. كانوا أصدقاؤنا (هـانـي و توأمته هدي و معهما يـوسـف) ، ثم أطلقوا تنهيدة يائسة في وقت واحد و تمتمت (هـدى) بخفوت : - أيعني هذا أننا سنمضي يوم عيد الحب مشردين !؟ ثم عادت تتفحص تلك اللوحة الورقية الكبيرة التي قد أعدتها لتشمل كل خطط يوم عيد الحب ، ثم استطردت قائلة : - والدة (يـوسـف) مشغولة في الاستعداد لاستقبال زوجها ، فلا نستطيع أن نقيم حفلة شواء في منزلك ، أليس كذلك يا (يـوسـف) ؟! أوميء (يـوسـف) برأسه موافقًا ، فعادت (هـدى) تنظر إلى الورقة و تقول : - و والدنا قد دعا أصدقائه إلى منزلنا في ذلك اليوم أيضًا ، للتحدث عن المشروع الجديد! فلا نستطيع أن نحتفل في منزلنا ! ثم تنهدت مرة أخرى ، و قبل أن تنبس ببنت شفة ، كان باب المكتبة يُفتح و دخلت (رزان) قائلة : - ربما لن تقضي يوم عيد الحب مشردة يا عزيزتي ! التفتوا إليها في دهشة ، فابتسمت و التقطت قلم رصاص من على الطاولة و رسمت قبعة غريبة الشكل ، و قالت في سعادة : - سنذهب إلى هناك ! تساءل (يـوسـف) قائلاً : - لا أريد أن أعلق ساخرًا ، و لكن ما هذا ؟! قالت (رزان) في بساطة: - قبعة مكسيكية ! اتسعت عيون الجميع دهشة ، و هتف (يـوسـف): - ماذا ؟! ثم أطلق ضحكة قصيرة ، و قال : - يا إلهي يا (رزان) ! انكِ حتى لا تستطيعين رسم قبعة مكسيكية بطريقة صحيحة ! رمقته (رزان) بنظرة نارية ، ثم قالت في برود : - على أية حال ، سنذهب إلى هناك يوم عيد الحب ، أي بعد يومين من الآن ، فكونوا مستعدين !
* * * أتى يوم عيد الحب سريعًا ، و أمام ذلك المبنى الضخم الشهير ، وقف أصدقاؤنا الأربعة مندهشين ، و قالت (رزان) في هدوء : - إن والدتي تعمل هنا ، و قد سمحت لنا بحضور حلقة عيد الحب هذا العام ، في ماسبيرو! فكونوا ممتنين لذلك ! صاحت (هـدى) في دهشة : - أنا لم أحضر إلى هذا المكان من قبل ! إنه جديد بالنسبة لي ! وافقها (هـانـي و يـوسـف) على كلامها ، ثم التفت (يـوسـف) إلى (رزان) متسائلاً: - و لكنكِ لم تذكري لنا أن والدتكِ تعمل هنا ! ماذا تعمل هنا في ماسبيرو ؟! أجابت (رزان): - إنها مذيعة شهيرة ! فتح (يـوسـف) فمه ليسأل سؤال آخر ، و لكن سيدة جميلة تقدمت منهم جعلته يصمت و يلتفت مندهشًا إليها . تكلمت السيدة و قالت في هدوء : - مرحبًا بكم يا صغاري ! لابد أنكم أصدقاء (رزان) الأعزاء ، فلقد حكت لي عنكم من قبل كثيرًا ! بدا الخجل ظاهرًا في وجه رفاقنا ، و تأملت (هـدى) تلك السيدة الجميلة ، كانت بيضاء طويلة ، ذات شعر أسود مسترسل ، و قد عقصته خلف رأسها ، و ترتدي حلة زرقاء هادئة و تبتسم في هدوء و رزانة و قد بدت عيناها البنيتان ساطعة لامعة . صاحت (هـدى) في دهشة : - يا إلهي ! إنكِ المذيعة الشهيرة (أمـيـرة نـاصـف) ، يا إلهي ! قالت (رزان) في هدوء : - إنها والدتي ! صاح ثلاثتهم في وقت واحد : - هاه؟! والدتكِ (أمـيـرة نـاصـف)؟! قالت (هـدى): - إنها أشهر مذيعة برامج علمية في العشر سنوات الأخيرة ! قال (يـوسـف) : - لقد قامت بعمل أكثر من مائة لقاء مع الكثير من العلماء العرب و الأجانب ! صاحت (هـدى) مرة أخرى: - و قد قامت بتقديم العديد من البرامج المتنوعة ، و كلها ناجحة ! ضحكت والدة (رزان) ضحكة خفيفة و قالت : - يا إلهي ! إنكم تحفظون سيرتي الذاتية أكثر مني شخصيًا ! قالت (هـدى) في حماس : - بالطبع ! إن (هـانـي) يتابع برامجكِ باستمرار و خاصة البرنامج العلمي ، و هو يحبكِ كثيرًا يا سيدة (أمـيـرة) و معجب بطريقة حواركِ الراقية مع ضيوفكِ! نظر (هـانـي) إلى أخته معاتبًا و قد تخضب وجهه بحمرة الخجل و ضحكت والدة (رزان) قائلة : - حسنًا .. حسنًا ، كفانا حديثًا هنا و لندخل فلدينا الكثير لنكتشفه بالداخل! ثم استدارت عائدة و تبعها الأصدقاء مسحورين و تساءلت (هـدى): - من هو ضيف البرنامج اليوم يا (رزان)؟! قالت (رزان): - بما أنه يوم عيد الحب ، فقد تقرر جمع عدد من الفنانين ، و تقديم حلقة غنائية لطيفة احتفالاً بهذا اليوم ! قال (هـانـي): - و من هم أولئك الفنانين؟! قالت (رزان): - لقد قالت أمي أنها مفاجأة ، و لكنها أخبرتني بأن (مـريـم عـصـام) ستكون حاضرة ! صاحت (هـدى) في دهشة و قالت : - حـ...حقًا (مـريـم عـصـام) ستكون هنا؟! و أمامي ؟! أومأت (رزان) برأسها موافقة ، فاستطردت (هـدى) قائلة : - يا إلهي ! إنني أحبها كثيرًا ! فرغم أنها تبلغ الثامنة من عمرها فقط و لكنها صاروخ في عالم التمثيل و الغناء و قدمت العديد من العروض الناجحة ! قال (يـوسـف): - انكِ حقًا تعرفين الكثير عن عالم الفن يا (هـدى) ! قالت (هـدى) في زهو : - بالطبع يا عزيزي ، فأنا أطمح في اختراق هذا العالم ! ضحك كلا من (هـانـي) و (رزان) و فجأة ، سمعا صوت والدة (رزان) و هي تقول : - ماذا تفعلون عندكم يا شباب !؟ هيا ، هيا ، لنحضركم للتصوير ! تساءل (هـانـي): - هل سيضعون لنا الماكياج أيضًا ؟! قالت (رزان): - إنه ليس شيئًا معتادًا مع الجماهير ، و لكن أمي ترغب في أن نظهر بأزهى صورة حينما يأتي دورنا للتحدث مع الفنان ! قال (هـانـي): - و هل سنتحدث معهم؟! و ماذا إذا لم أحب الفنان الجالس أمامي ؟! ابتسمت (رزان) و قالت في هدوء : - إذن ، ما عليك سوى أن تهنيء جميع الجماهير بيوم عيد الحب و منهم الفنان هذا ! قالت (هـدى): - فكرة رائعة ! قال (يـوسـف): - لا عجب! فهي صادرة من ابنة محترفة في عالم الصحافة و الإعلام ! * * * مر الوقت سريعًا ، و أخذ الجميع يستعد للظهور على شاشة التلفاز ، حينما تلفتت (هـدى) حولها و هي جالسة على مقعدها بين صفوف الجمهور و همست قائلة : - يا إلهي ! الكل هنا جاد جدًا و يعمل بطريقة منظمة و سلسلة جدًا ! إنني أكاد أشعر بالصرامة تفوح من هذا المكان ! قال (يـوسـف): - هذا طبيعي ! فأنتِ تتكلمين عن مجال خطير ، فالآن و لمدة ساعتين سيظهر هذا المكان على الهواء مباشرة أمام جميع الناس ، في المنازل و في المقاهي و في كل مكان ، و على كل شيء أن يكون ممتازًا و إلا صارت فضيحة فظيعة ! قالت (هـدى): - معك حق ! و لكن هذا الجو يوترني حقًا ! قالت (رزان): - لا تفكري كثيرًا في ذلك يا (هـدى) ! فعندما ستفكرين في ذلك ستفقدين القدرة في السيطرة على نفسكِ و هو أهم شيء في هذا المجال ! التفتت إليها (هـدى) في دهشة ، فقالت (رزان) و كأنها تكرر شيئًا اعتيادي : - الثبات و القدرة على السيطرة على النفس أمام الكاميرا هي من أهم عوامل النجاح في مجال الإعلام المباشر ! فأن كنتِ تتحدثين بطلاقة و بثقة كبيرة أمام الكاميرا فهذا يعني أنكِ محترفة أما إذا كنتِ تشعرين بالقلق و التوتر و تخطئين في الحديث بصورة متكررة فهذا يهز من صورتكِ أمام الكاميرا و تنقلكِ بطريقة سيئة للجمهور ! باختصار، اجعلي الكاميرا تحبكِ فتظهركِ بمظهر حسن و لا تجعليها تكرهكِ فتظهركِ بمظهر رديء! ابتسمت (هـدى) و قالت : - انكِ تعرفين الكثير عن هذا المجال حقًا يا (رزان) ! ربما عليّ أن أستمع إلى نصيحتكِ ! ابتسمت (رزان) ثم قالت : - و بمناسبة ذلك ، يبدو أن (هـانـي) متوتر أيضًا ! التفت (هـدى) و (يـوسـف) إلى (هـانـي) الجالس بجانبه و قد بدا متوترًا و عاقدًا حاجبيه في شدة و حينما رآهما ينظران إليه ، قال : - أنا لست متوترًا ! أنا فقط أشعر بالإثارة ! مال (يـوسـف) على أذن (هـدى) و همس قائلاً : - أنا متأكد من أنه متوتر فوق العادة ! أومأت (هـدى) برأسها موافقة و أخذوا يضحكون بصوت منخفض ، حتى علا صوت المخرج قائلاً: - سنبدأ في خلال ثلاثة دقائق .. واحد .. اثنان .. ثلاثة ! ثم انطلقت أغنية هادئة و بدأ تصوير الحلقة الخاصة !
استمتع الضيوف و الجمهور الحاضر في الأستوديو و من خلال التلفاز ، بنصف ساعة رائعة في بداية البرنامج ، ثم التفتت (أمـيـرة) إلى الكاميرا و قالت في هدوء : - و الآن سنستقبل اتصالاتكم الهاتفية حتى تصل مفاجأتنا الأولى لليلة ! مالت (هـدى) على أذن (رزان) و همست قائلة : - إنها تقصد (مـريـم عـصـام) ، أليس كذلك ؟! أومأت (رزان) برأسها موافقة ، ثم التفتت إلى والدتها التي أخذت تحدث المتصل الأول ، ثم قالت : - و الآن مع المتصل الثاني ، و ألوو ... رد المتصل الثاني و قد بدا صوته غليظًا قائلاً : - مرحبًا يا سيدة (أمـيـرة) و مرحبًا بكل ضيوفكِ ! أحب أن أعلمكِ بأن الطفلة الشهيرة ضيفتكِ اليوم في قبضتي و لن أتركها قبل أن تنفذوا طلباتي بالحرف الواحد .. سأتصل مجددًا لأخبركم بها و على الهواء مباشرة أيضًا و أحذركم بأنكم إذا حاولتم أن تقطعوا الاتصال بفاصل إعلاني فسأقتل الطفلة الصغيرة على الفور! ثم أغلق سماعة الهاتف ! بدا وجه (أمـيـرة) شاحبًا بشدة ، و لكن لم يدم ذلك لوقت طويل ، فسرعان ما تمالكت رباطة جأشها و قالت في هدوء : - أوه ! يبدو أنه لدينا حالة طارئة .. نراكم بعد الفاصل ! ثم أسرع المخرج في الخروج إلى فاصل ، و أسرع الجميع يندفعون نحو بعضهم البعض و يتبادلون أطراف الحديث ، فمنهم من كان مذعورًا و منهم من شكك بأنها خدعة و منهم من أخذ ينصح بأن يلبوا طلبات المختطف ... و وسط كل هذا و ذاك ، جلس الأشبال الأربعة واجمين صامتين و قد انعقدت حواجبهم و غرقوا في تفكير عميق . تكلم (هـانـي) بعد فترة و قال في هدوء : - أعتقد أنه علينا البدء في التحقيق ! أومأ الجميع موافقًا على كلامه ، و في تلك اللحظة اقتربت (أمـيـرة) منهم و قالت في هدوء مرتجف : - حسنًا يا صغار ، أعتقد أننا نواجه مشكلة ما ! قالت (رزان) في هدوء : - لا تقلقي يا أمي ، سنجد الطفلة و نعود بها إلى الأستوديو قبل نهاية البرنامج . قالت والدتها : - لا أعتقد إنكم قادرين على فعلها ، فهناك أقل من ساعتين و ماسبيرو ضخم و مليء بالغرف ! قال (هـانـي) في شجاعة : - سبق و أن استطعنا الإمساك بمجرمين أخطر من هذا يا سيدتي ، و سنقوم بذلك بسرعة و سهولة و دون أن نثير أي ضجة ، نعدكِ بذلك ! ابتسمت والدة (رزان) في هدوء ، ثم تكلمت قائلة : - حسنًا ، و لكن إذا احتجتم إلى أي شيء فأبلغوني فورًا ! قالت (رزان): - سنحتاج حاليًا إلى غرفة هادئة بالقرب من هذا الأستوديو ، و حاسب آلي سريع و شاشة تلفاز تنقل لنا الأحداث مباشرة . أومأت والدتها و قالت : - حسنًا ، توجهوا إلى الغرفة المجاورة لهذا الأستوديو ، و لكم فيها ما تريدون ! شكرها أصدقاؤنا ثم توجهوا جميعًا إلى تلك الغرفة ، و حينما دخلوها ، بدأوا في إخراج مخزون أفكارهم دفعة واحدة .. قالت (هـدى): - أعتقد أننا يمكن أن نتوصل إلى الفاعل عن طريق مكالمته للبرنامج ، فلقد سبق و أن جربنا هذا و نجحنا ! قال (يـوسـف): - و أيضًا علينا أن نبحث عن من لديه مصلحة في اختطاف الطفلة في هذا اليوم بالذات ! و هل هي عملية تخريبية لبرنامج اليوم أم انتقام شخصي !؟ قال (هـانـي) : - و من يمكن أن يكون عدوًا لتلك الطفلة الصغيرة !؟ قالت (رزان): - أعتقد أننا سنحتاج إلى قائمة كاملة بالاستوديوهات التي كانت تعمل أثناء بث الحلقة و الاستوديوهات المغلقة ، فـربما نتوصل إلى مكان المجرم ! أومأ الجميع موافقًا على كلامها ، فانطلقت هي و (هـدى) إلى أحد العاملين تطلب منهم تلك القائمة بينما انشغل (هـانـي) و (يـوسـف) في استخلاص المكالمة من الحلقة و إعادة تشغليها و تنقيتها حتى يصلوا إلى دليل ما ! دخلت (رزان) و تبعتها (هـدى) إلى الغرفة مرة أخرى ، و سألت (رزن) (هـانـي) قائلة : - هل توصلت إلى شيء ما !؟ هز (هـانـي) رأسه نفيًا ثم قال : - يبدو أنه كان يتكلم من مكان هاديء أو ربما من غرفة عازلة الصوت ، مما قد يرجح فعلاً انه أستوديو ! عقدت (رزان) حاجبيها ثم قالت في هدوء : - و العاملين قد وعدونا باكتمال القائمة بعد ساعة تقريبًا ! أظن أننا سنتبع الطريقة التقليدية ، حصر مكان تجوال تلك الطفلة ثم بدء البحث فيه ! ثم أسرعت تتصل بوالدتها ، التي أجابت على الفور و قالت : - " نعم .. أجل .. لقد كان مسموحًا لها بالتجوال في هذا الطابق و الطابق الذي يسبقه و الذي يليه .. و يمكنكِ سؤال العاملين على تجهيزها للظهور في الحلقة ..! " أنهت (رزان) المكالمة ثم قالت : - أعتقد أن بحثنا قد انحصر في ثلاثة طوابق فقط يا شباب ! ثم انقسموا إلى مجموعتين ، (هـدى) و (يـوسـف) ، (هـانـي) و (رزان) و انطلق كل منهما في جهة !
تـُرى هل يستطيع أصدقاؤنا الصغار أن يصلوا إلى الحل بسرعة قبل أن ينتهي مشوار (أميرة) المهني !؟
تابعونا الأسبوع المقبل لنكمل معًا الفصل الثاني من القصة و من الأحداث المثيرة ... ْ