الجـــزء الثـــــــــــاني
النموذج الثالث : حوار الله سبحانه وتعالى مع إبليس
ويعتبر هذا النموذج من اخطر النماذج الحوارية في القرءان الكريم ،
وفي مفهوم ولغة الحوار بين الاضاد على إطلاقها ،
حيث أن هذا النموذج والذي يمثل فيه سبحانه وتعالى رمز الحق المطلق والخير المطلق
فيحاور رمز الشر المطلق والباطل المطلق ؛
ألا وهو إبليس عليه لعنة الله وكأن الله سبحانه أراد أن يضع فلسفة مهمة لبني الإنسان ،
تقضي إلى إمكانية الحوار والتفاهم بالطريقة الحوارية مع الآخر ،
أو إقامة الحجة عليه لو كان يمثل النقيض لفلسفة الخير التي يحملها الدعاة ..
ولنترك للقرءان أن يضع بين أيدينا جو هذا الحوار :
" ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين *
قال مامنعك ألاّ تسجد إذ أمرتك قال أن خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين *
قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين *
قال أنظرني إلى يوم يبعثون *
قال إنك من المنظرين
* قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم *
ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين
* قال أخرج منها مذءوماً مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين "
سورة الأعراف { الآيات 11 - }18 .
ربما هذا الحوار الأطول بين الله سبحانه وتعالى وبين إبليس عليه لعنة الله ،
والحوار ذاته يتكرر في مواطن مختلفة في القرءان الكريم لكنه يكون بصورة اقل وأقصر
مما هو في سورة الأعراف .
والشاهد القوي في الحوار أن إبليس يدعي انه افضل من الإنسان ،
لذاك رفض أن يسجد لآدم عليه السلام ، مع العلم أن السجود هنا هو سجود تحية وليس عبادة ،
ولكن روح المكابرة في القرءان الكريم التي كانت لدى إبليس جعلته يصّر على كبريائه في هذا النص ،
ولكن في نصوص السنة المختلفة والتي تفسر القرءان الكريم كثير من الأحيان ،
أنه جاء في معنى الحديث الشريف أن إبليس يقول
: ( ويلي.!.أمر ابن آدم بالسجود فسجد ، وأمرت بالسجود فعصيت..! ) ..
وهذا يعني إقرار بعدم صوابية رؤيته عن أفضليته على آدم .
ولكن روح الكبرياء التي عنده هي التي جعلته لا يمتثل لامر السجود.
ومن هذا الحوار بين الخير والشر ،
يمكن أن يكون هناك لفته مهمة في حمل دعوة السماء إلى الناس حتى الزعماء منهم أو الطغاة ،
وهذه اللفتة تتمثل في انه يمكن للدعاة أن يحملوا هذا الدين
مبشرين به وليس منفرين ،
ويطرقوا به أبواب الحكام الظلمة ويقيموا عليهم الحجة والبرهان
كما فعل موسى عليه السلام وأخيه مع فرعون
فقال سبحانه وتعالى في هذا السياق :
" اذهب أنت واخوك بآياتي ولا تنيا في ذكرى * اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً لينا * لعله يتذكر أو يخشى ..."
. سورة طه { الآيات 42 - 45 } .
وتنتهي رحلة الحوار مع الطغاة في نهاية النموذج مع فرعون بإيمان السحرة ،
وهذانموذج آخر مستقل
لكننا لسنا بصدد الخوض في تفاصيله مكتفين بهذه اللفتة المهمة..
النموذج الرابع : حوار النبي نوح عليه السلام مع ابنه
في هذا النموذج سنتعرض لمرحلتين في الطريقة الحوارية ،
في المرحلة الأولى سنتعرض للحوار بين نوح عليه السلام مع ابنه ،
وهو يصحح له المعلومات الخطأ التي بحوزته ،
حيث قال الله سبحانه :
".. وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين "
سورة هود { الآيات 42 - 45 }
.
نوح عليه السلام يوحى إليه من ربه أن هذه الأمة ستهلك
ولن ينجو إلا الذي سيصعد في السفينة
وسيكون هناك من الطوفان ما يكفي لابتلاع كل شيء على وجه الأرض ،
ولكن ابنه يستعصي عليه هذا الفهم والمعلومات الطبيعية المسبقة لديه ،
أن الجبل يمكن أن يكون ملاذاً من المياه والفيضانات ولم يكن في تصوره أن الفيضانات ستصل إلى حد الطوفان الذي سيدمر كل شيء ،
لذلك قال لأبيه:
(سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) ،
وهذا علم خطأ في مفهوم نوح عليه السلام ،
لذلك قال لأبنه:
(لا عاصم اليوم من أمر الله ) ،
لكن _وما يقال_ " الكفر عناد " .
رفض الابن أن يركب في سفينة النجاة التي أعدها أبوه بأمر من الله ،
وانتهى المشهد الأول أو المرحلة الأولى من هذا النموذج ،
ولكن عندما تتدخل عاطفة الأبوّة لدى نوح عليه السلام وهو يرى ابنه يغرق في الطوفان ،
توجه إلى الله بأن ينجي له ابنه ،
وهو يعتقد انه من الدائرة الشخصية لنوح ،
أي الدائرة
الأكثر قرباً له فقال نوح لربه سبحانه وتعالى
: " ونادى نوح ربه فقال ربّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت احكم الحاكمين * فقال يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم اني أعظك أن تكون من الجاهلين * قال رب اني أعوذ بك أن اسالك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين " .
سورة هود { الآيات 45 - 47 } .
كما ذكرنا أن المعلومات لدى نوح عليه السلام في معيار الله لم تكن صحيحة
(انه ليس من أهلك)
هذا رد واضح على نوح عليه السلام ،
ونوح يتعلم ذلك ويعترف بخطئه ويدرك معنى دائرة الأهل في الدعوة ،
والتي كما يقول العلماء :
أن الأهل في حقل الدعوة هم أهل الدين والعقيدة ،
لذلك عندما عرف نوح عليه السلام عدم صوابية المعلومات التي عنده حول مفهوم الأهل
قال عليه السلام :
(قال رب اني أعوذ بك أن اسالك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ).
ملاحظه::..
المــــرجع : من كتاب أحمد الفاسي|×× الطرق التربوية وعلم النفسمن القرآن الكريم××|