أقفلت السماعة ومرة أخرى انفرطت حبات العقد..فعادت تفكر في "نادين" صديقتها الوحيدة ..إنها تحبها وترتاح لها على الرغم من فارق السنوات التي تبين الاثنين..
على صوت احد الندلة توقفت عن التفكير..واستلمت منه حساب فاتورة أحد الزبائن..
لابد ان يتوقف هذا التداعي..لابد..فهو الباقي من حياتها السابفة..والذي يرفع الأحداث بدلوه من بئر الذكريات ..
ليتها تسطيع إيقافه ..ليتها..
لكن هيهات ..
ماأن اقتربت الساعة الرابعة حتى صدق توقع نازك وبدأ المقهى يخلو من رواده ..لابد أن يصدق ..وإلا مافائدة الأعوام التي قضتها في العمل هنا بل إنها تكاد تعرف زواره ومن يرتادونه يومياً ..ومن منهم يأتيه أسبوعياً..وتعرف هذه ماذا ستطلب ..وذلك من ينتظر..
هكذا تعلمت أ، تشغل ساعات عملها في التفكر في هذا الخليط من الناس..
كان رواد مقاهها طبقة بين المتوسطة والرفيعة ..طبقة تضم مثقفين ورجال أعمال وسيدات مجتمع ..وقد تضم ذلك النصف الذي لاهم له في هذه الدنيا إلا مطالعة الصحف ..فترى مشروبه بارداً أمامه..وهو يحملق في صفحة الوفيات...
لماذا؟ربما يكون حانويتاً أو محامياً ينتظر أن يطلبه أقارب المتوفى لتحصيل إرثهم..
هؤلاء هم بعض رواد المقهى..
لكن بحر الأيام يلفظ على ساحل المقهى أناساً ليسوا من هؤلاء ولا أولئك ..أناساً قد لايعرفون عن المقهى إلا انه مقهى..بل أن بعضهم قد لا يستطيع قراءة بعض مافي قائمة الطلبات!!
وهم قلة..واوقات حضورهم أقل..لكن نازك وهي الذكية استاعطت أن تتعلم كيف تجامل هذا وتبتسم في وجه تلك ..وترد على مرطفة اولئك ..وتحادث الرواد بلبلقه تجعل بعض الرواد _وتعلم هي ذلك_لايأتون إلا من اجلها
لكنها كما قررت أن تكون ..ستأتي بلا قلب ..ذلك القلب الذي شكى الإرهاق فيهما مضى آن له أن يرتاح...
لى القدوم إلى عملها هنا دونه..ودون مشاعرها وعواطفها ..وهي بذلك أريح ماتكون ..وإلا لغدا العمل أمراً لايطاق مع كل مايحدث حولها..
أخذت رشفتين من كوب العصير الذي امامها ثم قالت:
_إن الحر يزداد يوماً بعد يوم..
_ومالجديد في ذلك؟
_اسمعي يانازك إني وكما تعلمين صديقتك ..وربما الوحيدة..وابحث عن مصلحتك..أليس من الأفضل لك أخذ إجازة عن العمل لفترة معينة تسترحين فيها من عناء العمل ..وتبتعدين خلالها عن أجواءه ...
إنك ياعزيزتي ترهقين نفسك بعملك هنا..مع أني لااجد فيه مايغري..
صدقيني إن صحتك أهم من كل شيء ..
أجابتها إجابة من يقرر أملااً مفروغاً منه:
_أعلم ذلك..وأعلم أن عملي هذا يأخذ مني كل يوم أكثرممايعطيني في نظرك..وقد لاتجدين مايغرك ..أما بالنسبة لي فهو يعني الشيئ الكثير..هو عالمي وكياني..هو كبسولات النسيان لما مر بي ..وانتِ تعرفين ذلك ..بل أنك أنت من نصحني بالبحث عن عمل..
أطلقت ضحكة قصيرة كي تلطف الجو الذي بدأ طابع الجد ..وأكملت ..
_أم أنك تنكرين ..؟
_أنا لاأنكر ..مازلت مصرة على رأيي لكن الذي أطلبه أن ترتاحي قليلاً في هذه الآيام شديدة الحر..
إنظري إلي وجهك ..كأنما هو وجه عامل بناء ..
وكأنما هو أمر ..رفعت نازك كوبها لتصنع منه مرآة ترى عليها ملامح وجهها ..وبابتسامة رقيقه