-
الشباب الكوري الجنوبي نموذج عالمي للتميز..^^
{
مـــن جريـــ~ــدة الخلـــيج }
يمثل الشباب الكوري الجنوبي نموذجاً مضيئاً باستطاعته النهوض بحياته بشكل عام إلى الأفضل وتحقيق التقدم لمجتمعه خلال سنوات قليلة من العمل وبذل الجهد والتكاتف في ما بينهم وتمسكم بعاداتهم وقيمهم القديمة ومزجها بأكثر الأساليب تطوراً في العالم ليحققوا من خلالها التميز في المجالات العلمية والرياضية وتفعيل المشاركة المجتمعية وتحسين أحوالهم المعيشية . ومن المشهود به للشباب الكوريين الجنوبيين انتظامهم الشديد داخل الفصول الدراسية منذ المراحل الأولى للتعليم وحرصهم على الانضمام للجامعات المختلفة التي ارتفع عددها ليصل إلى 300 جامعة نتيجة هذا الإقبال الشديد .
نظراً لكون كوريا من أبرز الدول الصناعية في العالم فيفضل غالبية الشباب هناك الانضمام للمعاهد الفنية المختلفة لتؤهلهم بعد ذلك للعمل كحرفيين ومساعدي مهندسين حيث يحصلون من خلال تلك المعاهد على شهادة متوسطة يمضون في دراستها أربع سنوات تنقسم إلى شقين أحدهما أكاديمي والآخر مهني . ويلتحق حوالي 90 بالمئة من خريجي التعليم المهني بسوق العمل مباشرة، فيما يتابع البقية دراساتهم العليا في نفس المجال .
ويتجه قطاع عريض من الشباب الكوري الجنوبي لدراسة الإلكترونيات والصناعات التكنولوجية والرقمية، حيث تستمر الدراسة في هذا المجال لمدة خمس سنوات تشمل الجانبين النظري والعملي والذي يكون عادة بالتعاون مع كبرى شركات صناعة الإلكترونيات داخل كوريا .
ويقبل أيضاً الشباب الكوري على دراسة كل أنواع العلوم خاصة الهندسة والبرمجة في الجامعات المختلفة، في حين تلقى مجالات كالطب والفنون والعلوم الإنسانية إقبالاً محدوداً .
وارتفعت نسبة الطلاب الكوريين بالجامعات إلى 80% وهي من أعلى المعدلات على مستوى العالم ويرجع هذا إلى انخفاض تكلفة التعليم هناك بالمقارنة بدول كالولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، كما تحرص الحكومة الكورية على تشجيع الشباب للانضمام للجامعات بتوفير جهاز حاسب لكل طالب بجانب إتاحة حياة متكاملة للطلاب من خلال ممارسة الرياضة والاشتراك في الأنشطة المختلفة والانضمام إلى المعسكرات الخارجية والرحلات والمساهمة في العمل العام .
والتوظيف بشكل دائم في كبرى الشركات الكورية حلم يراود اغلب الشباب الكوريين، لا سيما الالتحاق بالعمل لدى أكبر شركتين بكوريا وهما »سامسونج« و»هيونداي« . لكن يواجه الشباب الكوري صعوبة بالغة في التوظيف بإحدى تلك الشركتين نظراً لكثرة أعداد الخريجين والمنافسة الشديدة بينهم وعدم قدرتهما على استيعاب كل تلك الأعداد لذلك فهم يقومون باختيار موظفيهم بعناية فائقة بالاحتكام إلى عنصر الأفضلية مما لا يمكن عدد كبير من المتقدمين إلى النجاح في العمل بها، فضلاً عن اتجاه الشركات الكورية الكبرى إلى فتح مصانع بدول أخرى كالصين والبرازيل وماليزيا وذلك لانخفاض تكلفة الأيدي العاملة هناك .
ويروى »أوه« 29 عاماً وأحد خريجي إدارة الأعمال تجربته موضحاً أنه قدم أكثر من 100طلب للتوظيف ولكن دون جدوى، مما جعله يلتحق بأحد المعاهد بهدف تحسين اللغتين الإنجليزية والصينية مما يزيد من فرصه بين بقية زملائه للالتحاق بالعمل لدى شركتي »سامسونج« أو »هيونداي« أو »إل جى«، ويضيف أن الأمر يصل أحياناً إلى شعور بعض الخريجين بالخجل أمام زملائهم إذا لم يتم تعيينهم في إحدى تلك الشركات مما يعكس ضعف مستواهم .
وعلى النقيض، يتجه معظم الشباب الكوريين اليوم إلى تأسيس شركات صغيرة لحسابهم الخاص وبإمكانها تقديم خدمات للشركات الكبرى ولذلك عائد مادي أكبر مقارنة بالرواتب داخل تلك الشركات .
ومن أوائل من تبنوا تلك الفكرة الطالب الجامعي سيم تشاو هاون خريج علوم الحاسب بجامعة سيول، حيث قام بإنشاء شركة صغيرة مع زملائه لتقديم خدمات البرمجة وتطبيقات الهواتف الذكية لشركتي »سامسونج« و»ابل«، وذلك بدلاً من تضييع الوقت في البحث عن عمل بعد التخرج على حد تعبيره .
ويقول البروفيسور كيم داي الأستاذ بجامعة »ماكون« بمدينة سيول إن أغلب الشباب يظن أنه إذا التحق بكلية جيدة فهذا يعني أنه سوف يعمل في كبرى الشركات ولكن أغلبهم الآن يتجهون نحو الطريق الصحيح ببدء عملهم الخاص وعدم ربط مستقبلهم وحياتهم بمجرد الأمل للعمل لدى تلك الشركات .
أسلوب حياة
يهتم الشباب الكوري الجنوبي بممارسة الرياضات المختلفة لأنها جزء من الحياة الكورية القديمة للحفاظ على الجسم والصحة العامة . وتعتبر كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية وجماهيرية بين أوساط الشباب حيث تنتشر ممارستهما على مستوى الجامعات والأندية الخاصة والساحات الشعبية . وقد ساهم الشباب في تطوير اللعبة على مدار العشرين عاماً الماضية واستطاعوا بناء منتخب وطني قادر على المنافسات الدولية وأبرزها ما حققه في بلوغ دور الثمانية في نهائيات كأس العالم 2002 الذي نظمته كوريا بالتعاون مع جارتها اليابان . وتأتي لعبة البيسبول أيضاً في مرتبة متقدمة من حيث الشعبية والممارسة بين الشباب الكوري منذ بداية السبعينات من القرن الماضي إلا أن أغلبهم يمتنعون عن الحضور لمشاهدة اللعبة داخل الملاعب بسبب ارتفاع أسعار التذاكر .
وإضافة للرياضات الجماهيرية، يحرص الشباب الكوري على ممارسة الألعاب القتالية والدفاع عن النفس وعلى رأسها التايكوندو والهاب كيرو ويلاحظ تميزهم الشديد في الرياضات الأوليمبية كالسباحة والرماية وتنس الطاولة والمصارعة الرومانية وكان له مردود بالغ الأهمية من خلال حصول بلادهم على المركز الخامس في عدد الميداليات بدورة الألعاب الأوليمبية الشتوية عام2010 في كندا .
وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الشباب الكوريون إلا أنهم يقبلون على الزواج بمعدلات كبيرة وفي سن صغيرة أيضاً . وغالباً ما يتم اختيار العروس للابن من قبل الآباء الذين مازالوا يستعينون بالعرافات للتنبؤ بمستقبل تلك الزيجات للاطمئنان على مستقبل أولادهم .
ولا مانع من أن تكون العروس أكبر سناً من زوجها في كوريا، وعادة ما تبدأ مراسم الزواج، خاصة في القرى، بذهاب العريس الشاب إلى منزل عروسه لإقامة مراسم الزواج والبقاء هناك لمدة 3 أيام قبل أن يصطحبها مرة أخرى للإقامة معه في بيتهما الجديد .
ولا يزال أغلب الشباب متمسكاً بالمراسم التقليدية في الزواج حيث يتضمن الاحتفال بعض الطقوس البسيطة مع اصطفاف الأهل إلى جانب العروسين .
ويتجه الشباب في المدن إلى إقامة مراسم الزواج على النمط الغربي الحديث بإهداء العروس خاتم الزواج وارتدائها فستان الزفاف وإقامة الحفل في قاعات خاصة مع عزف الموسيقا والرقص .
ويعد الزواج في كوريا الجنوبية بمثابة اندماج بين عائلتين أكثر منه ارتباطاً بين شخصين، لذا فمن تتزوج من شاب كوري فإنها تتزوج عائلته . ولا يتزوج الشاب الكوري، في أغلب الأحيان من فتاة أجنبية كما أنه يتزوج عادة في سن صغيرة جداً لذا يحذر المجتمع الكوري الفتيات بالزواج من شاب في الثلاثينات أو الأربعينات لأنه بالتأكيد يعاني من مشكلات في شخصيته جعلت الفتيات يرفضن الارتباط به .
وكما جرت العادة فإن على المتقدم للزواج مسؤولية توفير مسكن الزوجية وتشترك معه العروس في بعض التجهيزات خاصة مستلزمات المطبخ .
وعلى العكس من أغلب دول العالم، يفضل الشباب الكوري البقاء في بلادهم ويرفضون السفر للعمل بالخارج كما يحدث في دول عديدة كالصين على سبيل المثال، كما يحرص على طاعة كاملة للأبوين ولا يفضل الانفصال عن أسرته بل وفي أغلب الأحيان يشارك الأبناء الأبوين في تحمل أعباء الأسرة من نفقات ورعاية إخوتهم الصغار .
و يتأثر الشباب الكوري كبقية شباب العالم بالثقافة الغربية الحديثة ونمط الحياة الغربية حيث يمضون أغلب أوقاتهم داخل النوادي والمقاهي ودور السينما، كما يهتمون بأحدث صيحات الموضة الغربية وارتداء الملابس العصرية والعطور بشكل كبير . وأظهرت إحدى الدراسات مؤخراً أن الشباب الكوري ينفق سنوياً ما يقارب نصف مليار دولار على مستحضرات التجميل فقط . كما يستمتع الشباب الكوري بسماع الموسيقا خاصة البوب والروك التي تحظى بشعبية كبيرة لديهم .
ويشكل الشباب في كوريا العمود الفقري للفن بشتى أنواعه حيث يشارك بقوة في الأفلام الكورية والمسرحيات والمسلسلات التي تحظى بشكل خاص بنسب مشاهدة عالية في كل دول العالم .
ويهتم الشباب في كوريا الجنوبية بالمشاركة المجتمعية بصور عدة منها الفريق الشبابي لمشاريع المجتمع، وهو تجمع يضم طلاباً من المرحلتين الثانوية والجامعية تم إنشاؤه عام 1980 يهدف إلى إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع بشكل عام وفي أحوال الشباب وحل مشكلاتهم بشكل خاص وذلك من خلال المناقشات الأسبوعية حول احتياجات المجتمع وتحديد مشكلاته ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها . ويقوم هؤلاء المتطوعون بالتخطيط والتنفيذ لمشاريعهم وأنشطتهم المختلفة والمفيدة للمجتمع وأيضاً تطوير مهارات القيادة والقدرات الخاصة لدى الشباب على الوجه الذي يجعلهم مؤهلين لخدمة المجتمع خاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة . وهناك جمعية دعم المراهقين عناصرها الشباب الكوري من الجنسين وتهدف إلى خلق مناخ إيجابي للمراهقين من سن 12 إلى 18 عاماً لإعطائهم الفرصة لأن يتبادلوا الأفكار الخاصة بحياتهم الشخصية ليعبروا عن مشكلاتهم، ويناقشوا كذلك المواضيع المهمة كالعلاقات الأسرية والعنف والاضطهاد الذي من الممكن تعرضهم له من أي جهة، وذلك بهدف أن يدعموا بعضهم البعض بإبداء آرائهم واقتراحاتهم في القضايا التي تهمهم مما ينعكس على إيجاد حلول لها لإزالة العقبات التي تقف في طريق مستقبلهم .
والجمعية بالنسبة إليهم مكان آمن وإيجابي للتغلب على صراعاتهم الشخصية بما تتيحه لهم من ممارسة الألعاب المختلفة إضافة إلى الزيارات الميدانية واستخدام تقنيات تساعدهم على التحدث بعلانية وحرية بالإضافة إلى تحسين مهاراتهم الاجتماعية ليتواصلوا بسهولة مع كل أطياف المجتمع .
وبرنامج التوجيه إحدى صور مشاركة الشباب ويسمى ببرنامج الشقيقة الكبرى والأخ الأكبر وهي جماعة تضم الشباب البالغ من الجامعات ليقدم يد العون للشباب الصغار والمراهقين وتوجيههم في نواحي الحياة من خلال نقل خبراتهم وتجاربهم وأخطائهم ليتجنبوها في المستقبل وكذلك لتبادل الآراء والأفكار حول المشاكل التي تواجههم . والجماعة بذلك تتيح فرصة تمكن الشباب البالغين من مساعدة إخوتهم الصغار داخل المجتمع لتطوير مهاراتهم واعتمادهم على أنفسهم مما يخلق الثقة في النفس اللازمة للنجاح .